المحلى لابن حزم / 12/ ص196 و197
وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ الْمُقَلِّدُونَ لأَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا فَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا الَّتِي لا يَكَادُ يُوجَدُ لَهَا نَظِيرٌ: أَنْ يُقَلِّدُوا عُمَرَ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ هَاهُنَا بِأَنَّ ثَلاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ تَمْرٍ مَهْرٌ، وَقَدْ خَالَفُوا هَذِهِ الْقَضِيَّةَ بِعَيْنِهَا فَلَمْ يُجِيزُوا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ مِثْلَ هَذَا وَأَضْعَافَهُ مَهْرًا، بَلْ مَنَعُوا مِنْ أَقَلِّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي ذَلِكَ - فَهَذَا هُوَ الاسْتِخْفَافُ حَقًّا، وَالأَخْذُ بِمَا اشْتَهَوْا مِنْ قَوْلِ الصَّاحِبِ حَيْثُ اشْتَهَوْا، وَتَرْكُ مَا اشْتَهَوْا تَرْكُهُ مِنْ قَوْلِ الصَّاحِبِ إذَا اشْتَهَوْا، فَمَا هَذَا دِينًا وَأُفٍّ لِهَذَا عَمَلا، إذْ يَرَوْنَ الْمَهْرَ فِي الْحَلالِ لا يَكُونُ إلا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لا أَقَلَّ، وَيَرَوْنَ الدِّرْهَمَ فَأَقَلَّ مَهْرًا فِي الْحَرَامِ، إلا أَنَّ هَذَا هُوَ التَّطْرِيقُ إلَى الزِّنَى، وَإِبَاحَةُ الْفُرُوجِ الْمُحَرَّمَةِ، وَعَوْنٌ لإِبْلِيسَ عَلَى تَسْهِيلِ الْكَبَائِرِ، وَعَلَى هَذَا لا يَشَاءُ زَانٍ وَلا زَانِيَةٌ أَنْ يَزْنِيَا عَلانِيَةً إلا فَعَلا وَهُمَا فِي أَمْنٍ مِنْ الْحَدِّ، بِأَنْ يُعْطِيَهَا دِرْهَمًا يَسْتَأْجِرُهَا بِهِ لِلزِّنَى.
فَقَدْ #عَلِمُوا الْفُسَّاقُ حِيلَةً فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ، بِأَنْ يُحْضِرُوا مَعَ أَنْفُسِهِمْ امْرَأَةَ سَوْءٍ زَانِيَةً وَصَبِيًّا بِغَاءً، ثُمَّ يَقْتُلُوا الْمُسْلِمِينَ كَيْفَ شَاءُوا، وَلا قَتْلَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ الْمَرْأَةِ الزَّانِيَةِ وَالصَّبِيِّ الْبِغَاءِ، فَكُلَّمَا اسْتَوْقَرُوا مِنْ الْفِسْقِ خَفَّتْ أَوْزَارُهُمْ وَسَقَطَ الْخِزْيُ وَالْعَذَابُ عَنْهُمْ. ثُمَّ عَلَّمُوهُمْ وَجْهَ الْحِيلَةِ فِي الزِّنَى، وَذَلِكَ أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا بِتَمْرَتَيْنِ وَكِسْرَةِ خُبْزٍ لِيَزْنِيَ بِهَا ثُمَّ يَزْنِيَانِ فِي أَمْنٍ وَذِمَامٍ مِنْ الْعَذَابِ بِالْحَدِّ الَّذِي افْتَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
ثُمَّ #عَلَّمُوهُمْ الْحِيلَةَ فِي وَطْءِ الأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ، بِأَنْ يَعْقِدُوا مَعَهُنَّ نِكَاحًا ثُمَّ يَطَئُونَهُنَّ عَلانِيَةً آمِنِينَ مِنْ الْحُدُودِ.
ثُمَّ #عَلَّمُوهُمْ الْحِيلَةَ فِي السَّرِقَةِ أَنْ يَنْقُبَ أَحَدُهُمْ نَقْبًا فِي الْحَائِطِ وَيَقِفَ الْوَاحِدُ دَاخِلَ الدَّارِ وَالآخَرُ خَارِجَ الدَّارِ، ثُمَّ يَأْخُذَ كُلَّ مَا فِي الدَّارِ فَيَضَعَهُ فِي النَّقْبِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ الآخَرُ مِنْ النَّقْبِ، وَيَخْرُجَا آمِنِينَ مِنْ الْقَطْعِ.
0 التعليقات:
إرسال تعليق